تابعنا عبر الفيسبوك

الاثنين، 6 أغسطس 2018

الفصل الاول من رواية الجحيم في عينيه





الجحيم في عينيه


(من سيبقى، من سيرحل، ومن سيلقى عليه اللوم!)
بقلم
أشواق المختار


الفصل الأول

"إيني ميني مايني مو"
من سيبقى، من سيرحل، ومن سيلقى عليه اللوم؟
            "جوش"، أشعر بنظرات السيدة أليسون تتصيدني، أظنها على وشك أن تأمرني بأن أتحرك من مقري المريح هنا في آخر الصف؛ لأذهب إلى المقدمة، مواجها عشرين طالبًا وطالبة، يا له من مشوار ثقيل لأتلو كلمات مكررة عن تاريخ العالم المجيد، الدكتاتور "ألفريد داش" المخيف وهزيمته المحققة على يد الأبطال المحاربون، من حسن حظي أنني لا أذكر شيئا من الماضي على عكس زملائي الذين عايشوا  كل ثانية سيئة من ذلك الزمان، أُخبرت تلك الليلة التي انتهى فيها حكمه بأني فقدت ذاكرتي بالكامل، انتحارًا قام به والدي بسبب الحياة الصعبة التي سببها الدكتاتوري لشعوب العالم، لو تأخرنا ليلة فقط لكنا جميعا اليوم بخير، يا له من ماضٍ غريب يسخر مني بأغرب توقيت انتحار، لا أحد يعلم إن كنت قد وافقتهم في عملية الانتحار الجماعي أم لا، أبقيا محرك السيارة يعمل بصمت في المرآب وذلك سبب انتشار غاز أول أكسيد الكربون في بقية أنحاء المنزل مما قتلهم بهدوء، قالوا بأن والدتي أرادت توديعي، دخلت علي وهي في نصف وعيها، سمعوا بكائها على الهاتف وهي تهون علي مصيبة الموت: لا تقلق يا بُني القوي سيكون الأمر سريعا ومسالما، لم يسمعوا صوتي فقد كنت غائبا عن الوعي بعد أن احتفظت بالهاتف في حجري، فقط أنفاسا تحارب للحياة، في الحقيقة أنا أعتقد أن والدتي هي من اتصلت على الشرطة، ودست الهاتف في حجري، أنا اؤمن بأن غريزة الأم هي الأقوى في حمايتها لأبنائها، وإن ظنت أن الموت هو الخيار الأفضل لهم فستقوم بتوفيره لهم وبأريح وسيلة ممكنة، لكن ولسبب ما والدتي غيرت رأيها، تراجعت عن قرارها لسبب ما، ورأت لي مستقبل في هذا العالم، لكنها الآن ميتة، ولن أعرف أبدا لمَ أنا حي، حقا لا أهتم لذلك السبب بقدر ما أهتم لنهاية هذا العام الدراسي المقيت،كما أنني لا أتذكر أني حزنت عليهم فأنا لا أتذكر ملامحهم آو أصواتهم، لا شيء على الاطلاق فهم بالنسبة لي فراغ، كيف للمرء أن يحزن على غرباء؟ ربما هي نعمة، ربما فقدان ذاكرتي هي طريقة جسدي في حمايته لي.
تقطع تفكيري السيدة "أليسون":
_ سيد جوش هلا تلوت لنا تاريخ الدكتاتور ألفريد داش.
أوف هذه المعلمة لا تمل من مضايقتي، في كل حصة ومن بين عشرون طالب تختارني دوما، عجوز شمطاء نحيلة كعود، متجعدة كحبات الزبيب، صوتها يخدش طبلة أذني كلما فتحت فمها المقرف، أقفل كتابي من أمامي، وأمشي بخطوات متوترة نحو مقدمة الصف، تبدأ يداي بالارتعاش فأدخلها في جيوب معطفي الأسود محاولا إخفاء رهبتي المتزايدة، ينتبه لتوتري أحد المتنمرين "ماكس فورد" شاب ضخم الجثة، أحمر الشعر، عيناه بنيتن ضيقتان، فيصيح دون خوف من معلمتنا:
_ جبان.
ثم يقلد بحمق صوت الدجاجة.
_بق بق بااااق.
يقهقه بقية زملائي بينما أنا أوجه نظري إلى معلمتي بحنق علها أن تفعل شيئا، لكنها تبتسم بخبث وتقول بلهجة وجدتها مستفزة لي:
_ ماكس تحلى بالهدوء إذا سمحت.
نعم ماكس ابلع لسانك الطويل هذا واسكت، بالطبع لم أتفوه بهذه الكلمات فقط في عقلي تدور و تدور حتى تصيبني بالغضب، أصل لمقدمة الصف وأستدير لأقابل جمهوري الساخر فقط نظرة واحدة عليهم ثم أسمر عيناي بالأرض أنطق بصوت متحشرج:
_ بدأ الأمر في مدينة لوس أنجلس... 
تقاطعني المعلمة بصوتها المرتفع تنظر إلي مشمئزة مني كما لو أنها ترى جبن متعفن أمامها، لا أفهم لمَ هي تحقد، كل ما أعرفه هو أنها متنمرة أخرى تجد في شخصي فرصة لتفريغ غضبها:
_ سيد يانغ أرجوك توقف عن الهمس وتحدث كرجل.
أكرهك أيتها العجوز البغيضة، أفضل تناول الدود الحي على النظر إلى وجهك القبيح، لكني أيضا أحتفظ برأيي لنفسي، وبدلا عن الإدلاء به أخذ نفسا طويلا ثم أرفع صوتي بصعوبة مكملا ما بدأته:
_ نشأت عصابة  في أطراف المدينة برئاسة الدكتاتور ألفريد داش الذي كان قاسيا، أنانيا، متوحشا، لم يطرف له رمش حين أتباعه عذبوا الرجال وقتلوا النساء والأطفال، سيطر على قوات الدفاع وتمكن من التحكم بالقنابل النووية في الدول المنتجة لها عبر مجموعة عباقرة في علم الاختراق، أباد ستة من أكبر عواصم العالم، بعدها أعلن تهديده، وأخضع دول العالم تحت قبضته، وبينما يمثل العالم دور الضعيف له دس المئات من الجواسيس في منظمته، ولم يتوفق أحد في اغتياله إلا بعد خمسة وعشرون عامًا من الظلم على يد الجاسوسة الألمانية المناضلة أديل، والتي قتلت فور نجاحها، لكنها خلصت العالم من حكم الدكتاتور الذي أباد وسرق ما كان يحلوا له، انتهت فترة طغيانه بحرق جثته ونثرها في الستة العواصم الذي أبادها ليكون عبرة لمن تسول له نفسه باغتصاب العالم الحر.
أنهيت المقال وهممت بالرجوع إلى موضعي إلا أن معلمتي تذمرت بصوتها الذي يثير التقزز في داخلي:
_ سيد يانج هل سمحت لك بالرجوع إلى مقعدك؟
أحاول السيطرة على أنفاسي المتسارعة بغضب، غضب شديد، أعيد شعري الأسود إلى الوراء بيدي المرتجفة، لكنني أفشل في ضبط أعصابي، أجدني أصرخ عليها، وأطلق طاقة غضبي المستعرة على وجهها:
_ ماذا تريدين مني؟
أحببت النظرة المرتعبة من وجهها المتجعد، النظرة التي سببها صوتي، لكنني سرعان ما شعرت بالذنب وبوقوعي في ورطة أخرى بسبب فقداني سيطرتي على نفسي فهدأت وبدأت بالاعتذار رغبة مني في التخلص من معضلتي المستقبلية.
_ أنا آسف.. لم أقصد.. فقدت نفسي لثانية.
لكنها هي تحولت أيضا من هدوءها وخوفها الساكن إلى ملامح انتقام شرسة تضمر الشر لي
_ اذهب إلى المدير الآن.
ستتصل بالمدير لتشكوا له الحال مع إضافة أحداث أخرى خيالية تستمدها من بغضها لي،
انسحبت بهدوء من الصف المستهزئ بي، ماذا يمكنك أن تفعل حينما تكون مكروها من الجميع بلا سبب منطقي، فأنا لست بشعا بل إنني أستطيع تمييز نظرات الإعجاب من فتيات المدرسة، نعم إنها مقرونة بالبغض والحقد اللامنطقي لكنها لا زالت واضحة، ربما لأنني أتحدث بوتيرة سريعة كأحمق مختل، أو ربما لأنني كدت أنظم لعملية انتحار جماعي، ولمَ أفكر في مجتمع مختل؟ أنا أضيع وقتي هنا، يوما ما سأهرب بعيدا عن هذه الحفرة القذرة وسأذهب لمكان لا يعرفني فيه أحد، فقط على أن أجمع ما يكفي من المال لتزوير هوية جديدة بماض أبيض، سمعت أنه في عصر ألفريد داش الإعدام هو جزاء مخالفات الدرجة الأولى والثانية والتزوير من ضمنها، أما الآن فالأمور أفضل حالا.
ربما لن أسجن حتى وإن كشف أمري، فالنظام الجديد منشغل بتطبيق وتحديث القوانين الجديدة، طرقت ثلاثا على باب المدير جورج، فصدر صوته من خلف الباب:
_ ادخل.
فتحت الباب بتردد، فأنا معترض على الجو الكئيب الذي سيدخلني فيه هجومه الكلامي المحطم، أجلس على الكرسي الحديدي الذي يقابل مكتبه، ينتهي السيد جورج من توقيع عدة أوراق رسمية، ثم يرفع وجهه المربع الغريب إليَّ من الجيد أن جبهته العريضة يغطيها شعره البني ليخفف هذا من شدة قبحه:
_لماذا أنت مجددا، ألا تمل من الفشل يا سيد جوش.
أردت الحديث للدفاع عن نفسي فأسرعت بالنطق:
_ لكنها..
لم يعطني الفرصة، لا أحد هنا يفعل، فيقاطعني رافعا نبرة صوته تدريجا حتى أصبح منفعلا بشدة محمر الوجه، يصرخ في وجهي بوتيرة متسارعة:
_ ألا يكفي أنك عار على هذه المدرسة، لمَ لا تعود إلى الجحر الذي زحفت منه؟
لا يحق له قول هذه الكلمات لي مهما بلغت مصيبتي التي يزعمون بأمرها هو أو غيره فرفعت صوتي أنا الآخر:
_ وكيف فعلت هذا، ألا تخبرني، أنرني إن استطعت، أعطني سببًا وجيهًا واحدًا يؤيد مقولتك.
عدت إلى الخلف لأسيطر على انفعالي بينما انشغل المدير في البحلقة بورقة فارغة، عيناه المحمرتان لا تركزان على موضع منها، بل إنها تدور في أطرافها وكأنه سيحرقها بعينيه.
رفع نظره إلى موضع الوشم الأسود الذي يقبع خلف أذني اليمنى، كل من يراه يتجنبني إما خوفا وإما احتقارا، لذا أطلت شعري فقط لأخفيه، لكنه لا يبدو محجوبا عن مديري فأرتبك وأحاول إخفاءه جيدا بتوجيه شعري عليه، وأخفي عيني المتوترة بيدي الأخرى ناظرا إلى الأسفل.
قال المدير بخفوت:
_ لا أحتمل رؤيتك هنا، اذهب إلى المشرفة الاجتماعية:
ليته يريحني، ويفصح لي بالسبب الذي يزدريني الجميع له، لعلي اقتنع بمدى سوئي، لن اعترض إن كنت حقا سيئا، فقط علي أن أعرف الحقيقة.
تمسكت بطرفي مقعدي معاندا، وقلت بهدوء بعد أن أخرجت الهواء الحار من رئتي:
_ فقط أخبرني لماذا؟
لكنه يعود بنظره إلى أوراقه الرخيصة، ويقول محتقرا لوجودي، بلهجة كارهة:
_ اغرب عن وجهي.
بقيت لثلاث ثوان في مقعدي، ثم استطعت بصعوبة القيام منه، استدرت وغادرت وكلي تساؤلات عما يدور في رأسه، ترى ما الذي فعلته لهم كي استحق كل هذا البغض، الحقد، الكراهية، برأيي لا نحتاج إلى أسباب لنحب أو نحترم في المجتمع إنها الفطرة، لكن الحقد لا يبنى من فراغ، فعل أو قول أو حتى ماضٍ غريب أجهله.
 الآنسة "فايولت غيلبرت" هي الوحيدة في هذه المدرسة التي تحترمني، تبهجني فكرة اجتماعي بها في غرفة واحدة، لا أسيطر على خطواتي المتسارعة إليها، أحتاج إليها، رؤيتها ستزيل عني بضع من استيائي، وبقيته سيختفي حين استمع لصوتها، أقف بالفعل أمام مكتبها المقفل أستمع لكلماتها المنفعلة:
_ أنا حقا لم أرى عيبا واحدا في السيد جوش، لو كانت السيدة أليسون تعطيه فرصا عادلة كبقية زملاءه لكان هادئا، أنا أفهم ما تطلبه مني لكنني أختلف معك بالكامل... حسنا إلى اللقاء.
لا أستطيع منع ابتسامتي من الظهور على وجهي، كيف أحزن وهناك من يدافع عني بشراسة ضد المدرسة بكاملها، قد تكون فتاة ضئيلة الحجم لكنها قوية، وتملك لسانا صريحا، أطرق الباب ثلاثا كعادتي:
تفتحه لي بنفسها، تبدو راقية وهي ترتدي فستانها الأخضر الذي تحبه، أعلم بأنها تحبه لأنها تبدو أكثر حيوية وسعادة حينما ترتديه، تشير إلى مقعدها كعادتها لكنني أرفض بلطف.
_ لا أمانع في الجلوس على المقعد الحديدي.
لكنها تدفعني إلى المقعد الجلدي وتقول بوجه بشوش:
_ ألا يكفي أنكم تجلسون على هذه المقاعد المزعجة طوال اليوم، أنا أجد أنه من الأفضل أن تريح ظهرك على مسند طري بدلا عن هذه الخردة القديمة.
لا أقدر على مخالفتها، أجلس على المقعد المريح فيما هي تجلس على المقعد الآخر بدون أي انزعاج منها، كيف لتلك المثالية لها أن تتجمع فوق كرسي قديم متهالك.
تسترخي على ظهر المقعد وعلى وجهها ابتسامة جذابة تأسرني فيضيع عالمي، تسأل بصوتها المزين ببحة لطيفة تزيد من عنفوان أنوثتها قوة وتأثيرا.
_والآن ما الذي أتى بك إلى هنا سيدي.
لا أريد أن أرد عليها فقط السكوت والنظر إلى وجهها كاف بالنسبة لي لأزيل عناء أسبوع كامل من سوء التعامل الذي أتعرض له، أجيبها بعد أن ضاقت عيناها وكأنها سأمت صمتي:
_ أنا حقا لا أريد التحدث بالأمر.
_ إذن لنتحدث في موضوع أنت تختاره.
أحتار في اختيار موضوع، ليس أمامها على أيةِ حال، فأنا أشعر بأن غبائي يتضاعف مئة مرة حين تكون هي بالجوار، لحسن الحظ أتذكر هوسها الشديد بزيارة إيطاليا، فأقول:
_ هل أصبحت قادرة على السفر إلى إيطاليا؟
توهج وجهها بضي الحماس، لم تتردد في الحديث ثانية واحدة:
_ أوه نابولي يا جوش أصبحتْ قريبة جدا من موطئ قدميَّ، أكاد أشم هواءها المشبع بنكهة البيتزا الشهية، قريبا يا جوش في إجازة هذا الصيف سأقضي أسبوعا كاملا في نابولي، سأتناول البيتزا على الفطور والغداء والعشاء.
سكتت لبرهة، أحسست خلالها بندمها لفقدانها السيطرة على هدوؤها، أحب هذا فيها على الرغم من أنها تحاول جاهدة أن تبدو أكثر نضجًا مني، إلا أنها تنسى نفسها على الدوام أحيانا غاضبة وأحيانا أخرى مبتهجة ومرات أخرى باكية، لكنها نادرة جدا مرة واحدة في الحقيقة وذلك كان بسبب الضرب القاسي الذي تعرضت له على يد فريق كرة القدم السنة الماضية، لم أرها تبكي لكن عيناها المنتفختان والمحمرتان كانتا كفيلتان بفضح أمرها، عالجت الأمر كسيدة ناضجة، لم أتعرض بعدها لضرب مماثل، على أية حال فرق الخمس سنوات بيننا لا يعطيها الفرصة لتنجو من فخ التصرف على سجيتها.
_ هكذا إذن، لا أعلم لمَ تجعل الحديث يدور عني أنا في كل مرة، أشعر بأنك تعرفني أكثر مما أنا أعرفك وهذا لا يصح.
_ ما الخطأ في الأمر فأنت ما زلتي تحلين كل مشاكلي.
_ يسعدني أنك تظن هذا، رغم أنك لا تحدث المشاكل حولك، إنما هي التي تجد طريقها إليك.
اتكأت على المكتب وأنا أحاول التقرب إليها بقدر المستطاع، حدقت بعينيها العسليتين وقلت لها:
_ أنا لا أمانع حقا ما دام سينتهي بي المآل هنا.
أرى بوضوح تأثرها بكلماتي، في داخلي هناك إحساس ينتابني بمعرفتها بمشاعري نحوها، كما أنها ترتبك كلما قلت لها كلاما مماثلا، سيكون العالم أفضل لو أنها أحبتني في المقابل، لو أننا نهرب إلى نابولي سويا إلى الأبد سيكون ذاك أسعد يوما في حياتي، مرت دقيقة حتى قالت:
_ بالطبع أنا أمانع معاملتهم لك بهذه الطريقة، عندما تهضم حقوقنا لا يصح إلا المطالبة بها، فالوقوف جانبا ومراقبة الظلم هو تصرف سلبي أرفض أن يحدث في هذه المدرسة أمام ناظري.
أو ربما يهيأ لي أنها تبادلني مشاعر الحب، ربما هي فقط تنصر المظلوم وتحق الحق، وأنا مجرد قضية إنسانية دسمة بالنسبة لها.
_ أريد الذهاب إلى منزلي لن أستطيع أن أكمل يومي المدرسي.
قالت وهي تبتسم متفهمة:
_ بالطبع.
قامت من مكانها وتوجهت إلي، وقفت عن يميني ويدها تطيش على مكتبها، أصابعها تزيد بعثرة الأوراق المتناثرة قشعريرة لذيذة تغمرني حين تلامس يدها النحيلة الباردة يدي لا تعيرها هي اهتماما، لكنها تشعل بداخلي الرغبة بالمزيد، تجد القلم وتأخذ أقرب ورقة عليها شعار مدرستنا، وتخط عليها كلمات غير مفهومة، ناولتني الورقة وهي تقول:
_ أعطي هذه لكل من يعترض طريقك، لن يجرؤ أحد على قراءتها، بل سيبدون كالبلهاء وهم يحاولون ثم سيمثلون، إنهم يفهمون كل شيء ويدعونك ترحل، أنا أعرف غرورهم لن يسمح لهم بالاعتراف بفشلهم.
بطلتي محتالة رائعة، هل هذا يعني أنه علي أن أكون مثلها، استلم منها ورقتي مع نيتي المسبقة بالاحتفاظ بها لنفسي، سيكون تذكارًا لطيفا يذكرني بها حين أغادر حفرة الجحيم هذه، توقفني فايولت قبل أن أعبر الباب بتربيتة رقيقة على كتفي، فأستدير وأواجهها، تقول بشيء من القلق:
_ أنا أعرفك يا جوش، لن تتجول في الأنحاء اتفقنا؟ إلى المنزل مباشرة.
أطمئنها بابتسامة صغيرة:
_ بالطبع آنستي.
تركتها هناك وفي جعبتي الكثير من الأفكار لأنتقم لنفسي من أليسون العجوز وجورج اللعين، بحرق سيارتهما؟ لا إنها مبالغة في الانتقام ربما علي كسر البيض الفاسد داخلها، نعم إنها ليست بالفكرة الضارة، سيقودان بسيارتين عفنتين إلى الأبد وسيتعلمان درسًا مفيدًا لحياتهما الفارغة، لكنني سرعان ما أتراجع عن أفكاري، أنا لست مثلهم، أنا أفضل منهم، سأكون عضوًا فعالًا في مجتمعي، ليس في هذه القرية بالتأكيد، لكن في مكان آخر يتقبل فيه الجميع بعضهم البعض، دون أحكام سلبية وظنون سيئة، مكان أتمكن فيه من بناء مستقبلي بسلام.
         من الجيد أنهما في عملهما، لو علموا بأمري لثارت عاصفة من الغضب حولي، كيف وقعت في فخ التبني لوالدان آسيويان، بالطبع سيكونان مهتمان بدراستي أكثر من أكلي وشربي وإن تمكنوا لربما تحكموا في عدد أنفاسي، فقط لو يعود بي الزمان لاخترت والدان من جماعة الهيبي لكان ذلك أكثر استرخاءً لي، لكن لسوء حظي الزمان لا يعود والأموات لا يبعثون حتى تبدأ الحياة الأخرى، لا بأس بهما كرفيقي سكن، هما نظيفان جدا ولطيفان للغاية، حازمان في تطبيق قوانينهما التي اعتدت عليها، لا أعلم لمَ أنا أتذمر، إنهما بالفعل محبان لي وأنا بدأت أن أعتاد عليهما، لنرى ماذا يوجد على الثلاجة من تعليمات اليوم، أريد الانتهاء منها حتى أعود لغرفتي وأنهي واجباتي، أسحب الورقة البيضاء مكتوب عليها بخط أنيق (جز العشب، ترتيب غرفتك) رائع فقط اثنتان، سأنهيها في ساعة.
                                
صباح اليوم التالي ...
أتأكد من واجباتي عدة مرات، آخر ما أبتغيه هو أن أمنح المعلمين فرصة لتوبيخي، الكل يتمنى أن أقع، أن أتهور، لينفث غضبه علي، لكن لا لست أنا من يجعل أمر إهانتي سهلا لألسنتهم.
_ هيا يا جوش سنتأخر على المدرسة.
_ قادم الآن أمي.
أخرج من غرفتي الضيقة إلى الطابق الأول حيث الصالة، منزلنا ليس بالواسع لكنه مستقل، طابقان مع حديقة أمامية وأخرى خلفية، غرفة والداي هي الأوسع ثم تليها غرفتي التي لا تتسع إلا لسريري و مكتبي، ما يميز منزلنا هو طريقة تأثيثهم له، هم لا يكدسون شيئا، ولا يشترون غرضا حتى يتأكدون من مدى استحقاقيته لشغل حيزا ما في المكان، نعم منزلنا صغير لكن عصري وعملي، إنه يناسبني، تنتظرني والدتي بالتبني السيدة تسونامي ستتم الأربعين من عمرها في الشهر القادم، لا تزال ترتدي لباسها الخاص بالهرولة، لا أعلم كيف تقوم بذلك، أن تهرول مبكرا و تترك سريرها المريح، هي تكره أن أناديها باسمها لذا أناديها بأمي، أجدها تبتسم بهدوء.
_ خذ معك شطيرة الفول السوداني تناولها في الطريق.
أسبقها إلى الخارج متجاهلا الشطيرة فأراها بطرف عيناي تعترض بمط شفتيها مستاءة،
أدور وابتسم علها تسامحني.
_ حقا أمي لست جائعا.
تهز رأسها بالنفي وتتبعني ليست راضية لكنها لن تصر أكثر، أدخل سيارتنا الميني كوبر الزرقاء، وتجلس أمي بجاني، أسترخي على المقعد، إنها الدقائق الأخيرة الهادئة التي سأحظى بها في الساعات القليلة القادمة.
تختلط مشاعري، كم سأرغب بلمحة من فايولت، لكن هذا يعني أن على أن أمر بما كل هو سيء في مدرستي حتى أصل إلى مكتبها.
نتوقف أمام ساحة المدرسة، أستعد للترجل لكن والدتي تتمسك بذراعي
_ هل ستكون بخير؟ أعني أنت تمتلك خيارك للدراسة في المنزل، أنت فتى ذكي وأنا ووالدك سنساعدك في شرح الدروس التي تصعب عليك.
_ لا حقا أمي، أنا سعيد الآن لا توجد أية مشاكل، أتمنى لك يوغا ممتعة.
غادرت السيارة قبل أن تقول شيئا آخر، و دعتها بإشارة من يدي لتغادر المدرسة، شعرت بارتياح كبير لأنها رحلت قبل أن تشهد أي حادث يمر بي، و إلا سأجبر حينها على ترك المدرسة، وعندها لن تكون لي فرصة لرؤية الآنسة فايولت، فقط لو كانت تعلم ما الذي أمر به لإبقاء خط التواصل بيننا لفزت بقلبها أو ربما ستفزع وتفر مني إلى مكان بعيد جدا من هنا، النتائج للأسف ليست متوقعة وإلا لكنت قد قررت مصارحتها منذ عدة أشهر، على أية حال ليس من القانوني نشوء علاقة بيننا مهما كان فارق العمر ضئيل، قوانين سخيفة قريبا لن يكون لها معنى، حين أهرب من هنا سأكون قادرا على مصارحتها، وعندها الخيار سيكون في يدها، أنتبه على ماكس و أربعة من زملائه العمالقة في الفريق، إنهم لا ينوُون خيرا، أتعرف على شرارة الخبث في عيناه  من على بعد ميل، إنهم يقفون على الباب الرئيسي للثانوية، يفصلنا خمسة أمتار سأتمكن من تجنبهم إن التفت يسارا ودخلت من أحد أبواب الطوارئ واتجهت مباشرة نحو الفصل، أطبق خطتي وكدت أتنفس الصعداء حين صعدت درجتان ضئيلتان مؤديتان إلى الباب الجانبي، لكني أفاجأ بأن ماكس اكتشف استراتيجيتي الجديدة للهرب منه، و رتب لي لقاء لخمسة من زملائه المتكئون على جانبي الممر الضيق المؤدي للداخل، فات الأوان للتراجع الآن فقد التفت الجميع لي مستعدين للنيل مني، لا مفر من المواجهة، سأكون واحدًا ضد خمسة، علي أن أضرب أحدهم في وجهه كي أترك توقيعي، لمستي الفنية، أدخل يدي اليمنى في جيب معطفي لأرتدي قبضة الحديد، من المشروع أن أعدل كفة القتال قليلا، فقبضتي الحديدية ستعيد تشكيل ملامح وجوههم القبيحة، عليهم شكري حين انتهي منهم فمهما غيرت بهم لن يكونوا أقبح مما هم عليه الآن، كانت ثلاث ثوان لكنها كافية لأخرج يدي وأنطلق نحو أقربهم وألكمه بكل قوتي على فكه، أستطيع الشعور بالحماس المقرون بالفخر حين سقط أرضًا، وأرتعش الأربعة الباقين متفاجئين مما جنته يداي، لم أمنع ابتسامتي حين هجمت على الثاني و حاولت إصابته في فكه هو الآخر لكنه تراجع بسرعة مما أفقدني توازني وسقطت أرضا وتحول الفخر إلى خوف، حاولت الوقوف قبل أن يتجمع على الأربعة لكن الأخير ركل وجهي لأصاب بالدوار، ركلة أخرى أفقدتني قدرتي على التنفس، تلويت ألما، إنهم ينوون الانتقام، ربما لو تركتهم يبرحوني ضربا منذ البداية لن تكون الضربات بهذه القوة، هل من الغرابة أن أجد طعمها أجمل حين أضربهم بالمقابل؟ تتالى الركلات على كل جزء من جسدي و أنا أحاول حماية وجهي باتخاذ وضعية الجنين، كم سأكره أن يجبرني والداي على ترك المدرسة، ووجهي الجزء الوحيد الذي لن أتمكن من إخفاءه عنهما، بقيت أرضا حتى انتهت ركلاتهم و تحول انتباههم إلى رفيقهم الفاقد وعيه، ضوضاء في رأسي تمنعني من فهم ما حولي، صديقهم ليس بخير، إنهم يتصلون على الإسعاف، يا إلهي أرجو ألا أكون قد قتلته، كل ما أردته هو الدفاع عن نفسي بكرامة وعزة، أن أعطيهم شيئا بالمقابل، أشعر بضجة حولي، إنهم المعلمين، لكنهم يتجاهلون وجودي، ويوجهون اهتمامهم نحو "ريك" الشاب الذي ضربته إذن لعله حقا قد مات، دقائق طويلة تمر وكأنها أيام، نعم هذا يحدث حينما تكون وحيدا، أشعر بيدها الرقيقة تمسح لي رأسي و تقول بخوف وباهتمام: 
_ جوش أنت بخير، ابق معي سيأتي الإسعاف خلال دقائق، ستكون الأمور على ما يرام.
إنها فايولت الخاصة بي، إنها لا تكترث لهم بل لي، علي أن أخبرها بمشاعري، نعم قد أسجن وابتعد عنها إلى الأبد، الآن نعم الآن:
_ أحبك فايو ...
همستها لها لكنها لم تسمعها، فاقتربت أكثر وقالت بصوت مبحوح رقيق:
_ لا أستطيع سماعك يا جوش، ستصل المساعدة قريبا.
رفع صوتي يبدو مستحيلا، مع كل نفس أدخله صدري، أشعر وكأن منشار  يقطع أعضائي داخل جسدي بقسوة، وأخيرا يصل رجال الإسعاف، عيناي لا تلتقط الكثير من الصور، وأذناي لا تسمعان صوتها الذي صار بعيدا، فقط صوت المسعف:
_ سنعتني بك الآن أيها الشاب.
وأغيب عن الوعي على آخر صورة لها، وهي تقف خارج سيارة الإسعاف تغطي فمها بكفيها  وجلة قلقة.
                            
أستيقظ في غرفة المستشفى، والدتي بجانبي نائمة على كرسي لا يبدو مريحا، تحتضن معطفها محاولة منها لتجد بعض الدفء، أحاول أن أعتدل لأجلس لكن تفزعني آلامي الشديدة في صدري، أتأوه بشدة وأتراجع عن فكرتي السخيفة، كان علي أن أتعلم من تجاربي السابقة ألا أعتدل فور إصابتي، تستيقظ والدتي وتقترب وفي عيناها نظرات غامضة، أرتعب حقًا هل أنا في مشكلة؟ هل قتلت الفتى؟
_ هل مات يا أمي؟
تتعجب هي من كلماتي، وتجيبني:
_ من ريك؟ لا لا عزيزي.
تنفست بعمق وشعرت بالراحة تثلج صدري.
_ رأيتك غاضبة فاعتقدت ...
جلست على طرف سريري وتشد على يدي قائلة:
_لم أكن غاضبة، بل كنّا قد قررنا بأنك ستترك المدرسة وسنتابع دراستك في المنزل وكنت أستعد لاعتراضك، فأنت دائما ما تجد طريقة لإقناعي بعودتنا عن قرارنا.
إنها على حق لطالما وجدت طريقة للتملص من قرارهما لكنني سأستسلم، لا مزيد من المشاحنات أو التنمرات.
_ لا بأس هذه المرة أنا لن أعترض، فأنا لم أكن في خطر بل كنت أنتقم منهم، كنت متخمًا بالحقد والغضب والفخر لأسقاط ريك أرضًا، لا أريد أن تسيطر علي هذه المشاعر مرة أخرى.
تربت على شعري ثم ترتبه بعيدا عن عيناي وتبتسم براحة:
_ أنت فتى طيب يا جوش فقط لو يرى الجميع ما أراه فيك.
 تمسح وجهها بيديه لتبعثر بقية النعاس العالق بها ثم تقوم فتحضر صينية الطعام وتزيح أغطية الطعام.
_ لا بد أنك جائع، تناول طعامك وبعد أن تنتهي سنبدأ بحل واجبات اليوم.
تأففت بشدة متفاجئا من طلبها.
_ حقا أمي... لا أصدق ما تفوهت به.


              مرت ثلاثة أشهر منذ حادثة المدرسة، تعافيت تماما وأصبحت أمارس الرياضة الصباحية مع والدتي، بعدها تذهب هي إلى عملها، بينما أبقى أنا في المنزل لأدرس وأدرس حتى يصيبني الصداع، ثم أترك ما بيدي، كُسِر فك ريك واحتاج إلى عملية جراحية، سمعت من فايولت أنه لا يزال يتناول طعامه عن طريق القشة، لا أستطيع مقاومة الشعور بالأسى من أجله، فقط لو أنه لم يحاول أذيتي لما حدث ما حدث، صباح اليوم انتهت دوامة المحاكم التي أقامتها عائلته ضدنا، من حسن حظي أن والدي محامي، لم ينالوا مني نظرا لتاريخ ريك العنيف معي، والدي قدم الكثير من الصور والتسجيلات التي أثبتت ضده وضد زملائه، بل أنه قلب القضية ضدهم وكسبنا مبلغا ضخما كتعويض، أودعاه والداي في حسابي البنكي للادخار، تركي للمدرسة أشعرني بالراحة، لكنه زاد من مستوى وحدتي، أشتاق كثيرا لعزيزتي فايولت التي زارتني عدة مرات لكنها لم تكن كافية لأتخلص من مشاعر الوحدة البغيضة، سنحتفل الليلة بعيد ميلادي الثامن عشر، لم أتفاجأ من طلب والدي أن أحضر بعض الخضار النادرة عندنا من سوق المزارعين الذي لا يوجد إلا في قرية أخرى شمال قريتنا، أخذت الرحلة مني ثلاث ساعات، إنهم بالطبع يخططون لحفلة مفاجأة، ليتهم يطلبون مني البقاء في غرفتي لثلاث ساعات لكان ذلك أريح لي وأرخص لهم، لكن لا بأس سأمررها لهم هذه المرة إنهم يستحقون أن يرون وجهي المتفاجئ بتجهيزاتهم لي، لكن في المرة القادمة سأعلمهم بما أتوقعه منهم، أزفر الهواء الحار بقوة، أتجهز لصنع وجه متفاجئ، أتدرب قليلا مقابل كميرا شاشة الهاتف الذكي، لكني لا أقتنع بمستوى تمثيلي، أرضى بالأمر الواقع وأخرج من سيارة العائلة حاملا الأكياس الممتلئة بالخضار والفاكهة في يديَّ الاثنتين، أقفل الباب بركلة خفيفة ثم أتجه نحو منزلي بخطوات مترددة، منزلنا من الخارج يبدو وكأنه مهجور، ما زال الوقت مبكرا على هدوء كهذا فالساعة لم تتعدى السابعة مساء، إنهم يتجهزون حتما لمفاجئتي، أضع الأكياس على الأرض وأفتح الباب، الظلام حالك والهدوء لا يقطع إلا بصرير الباب، أمضي عدة خطوات إلى الداخل، غريب! في العادة لا تأخذ المفاجأة  كل هذا الوقت، شعور سيئ ينتابني لكنني أقاومه وأعذرهم بأنهم ربما أرادوا تخويفي قبل إسعادي، أزفر الهواء الحار فيما يدي تمتد نحو مفتاح الإنارة وتشتعل الأضواء في جميع أنحاء المنزل دفعة واحدة مما أعمى عينيّ للولهة الأولى، أحاول أن أقتبس صورة لكنني رسميا أعمى، انتظرت بقية ثوان حتى اعتادت عيناي على المكان، وليتها عميت إلى الأبد، بدا أمر الهدوء منطقيا للغاية، طبعا نعم، فمنذ متى القتلى يتحدثون، الدماء تنتشر حولي حتى أنها تلتصق بحذائي، لم أشعر بها حين وطئت عليها، لكن الآن أشعر بها، وكأنها تكاد تغرقني، لم تكن جثتان فقط، بل إنها جثث جيراننا وأصدقاء والداي، حاولت أن أنادي والداي لكن اختنق صوتي بداخل حلقي.
تراجعت إلى الوراء، علي أن أهضم ما أرى لكنني أجدني عاجزا لدقيقة شللت وفجعت وللمرة الثانية هزمت، فقدتهما وهذه المرة سأتذكر كل شيء، أخيرا تحركت وبحثت عنهما من بين الجثث، هذه سارة زوجة تشاك، وهذا زوجها يرقد على بعد متر منها، لعله حاول حمايتها لكنها قتلت قبله، يبدوان مفزوعين، بينهما جارنا العجوز الأرمل وغيرهما الكثير، أتعب وألهث وأنا أبحث عنهما، زينة الحفل لا تجعل الأمر أسهل، لعلهما في المطبخ، توجهت فورًا إلى المطبخ أفتح الباب لأصنع آثار دماء حديثة على الباب الأبيض النظيف، أعبر فورًا وأرى المطبخ بحالة فوضى، زجاج، كؤوس العصير في كل مكان، كيك الحفل كريمته البيضاء امتزجت بالدماء الحمراء، أرى جثة والدتي من بعيد عيناها مفتوحتان تنظران إلى السقف، إنها ترقد بجانب الباب المؤدي إلى الحديقة، أطرافي بردت فأصبحت كقطع الجليد المشلولة، هرولت إليها واحتضنت جثتها التي ما زالت تحتفظ بشيء من دفئها رغم كثرة  الدماء التي سالت من جرح  غائر على عنقها، من قد يفعل هذا بنا؟ أم أنا السبب؟ هل أنا من قتلت بسببه كل هذه الأرواح البريئة؟ من أنا؟ أنا لا شيء! لا وقت للحزن، علي أن أتصل بالشرطة، أمسح دموعي من على وجنتيّ، وأتركها هنا والدتي، أقوم و قدماي بالكاد تحملاني، أتكئ على الطاولة وأمشي نحو الهاتف، أبعثر بقايا الحفلة المرصوصة بعناية، وأنا أمضي يسقط الزجاج، ينسكب العصير، ويفسد الكيك الذي لن يأكله أحد، أنزع الهاتف من مكانه، أحاول الاتصال لكنني أفاجأ به مقطوع، يسقط من يدي، أنزعج أنني أسبب الكثير من الضوضاء، أتذكر هاتفي الذكي، أخرجه من جيبي، وأضغط أزراره، يا لبؤسي، إنه مغلق.
علي أن أصله بالشاحن، أتوجه لغرفتي، أصادف جثتين لرجلين لا أعرفهما، أتجاوزهما وأعبر بابي ثم أقفله ببطء شديد، أصل طرف سلك الشاحن بالهاتف، يدي المرتعشة تعقد المشكلة، فأكاد أكسر الشاحن لكنني أنجح، البقاء في المنزل خيار أحمق قمت به، ليتني هربت من هنا لكنت الآن في وضع أكثر أمانا، حركة خفيفة أشعر بها من خلفي فألتفت سريعا متشائما متوقعا الأسوأ، رأيتها إنها هي فايولت كانت تختبئ في خزانتي، المسكينة تبدو مرعوبة، إنها ترتجف، الدماء الحمراء تغطي فستانها الأبيض القصير، تتقدم نحوي وتحتضنني بقوة، قالت بكلمات متقطعة:
_ كنت في الحمام عندما سمعت أصواتهم، قتال عنيف حدث بالأسفل، خرجت لأصل لهاتف حتى أطلب المساعدة لكنهما رآني وأنا أعبر الممر، لم يتوقعا أنني قد أحمل مسدسي الخاص.
 تراجعت إلى الوراء وقالت بعينين دامعتين حمراوين ومسدس صغير أبيض اللون تدسه داخل حذائها الممتد إلى نصف ساقها:
_ إنها المرة الأولى التي أقتل فيها أحدهم.

رابط شراء الرواية كاملة
اضغط هنا
التالي
هذا احدت موضوع.
رسالة أقدم

0 التعليقات:

إرسال تعليق